حروب لبنان الطائفية: من يحجم من؟
الاشتباكات المسلحة، بين المسيحيين وبين الشيعة في لبنان، مؤخراً، تعيد إلى الأذهان النزاعات المسلحة الكثيرة، والحروب الأهلية، التي خاضتها الطوائف اللبنانية بين بعضها البعض على امتداد تاريخها.
والسبب الظاهر الآن لهذا الإحتقان الطائفي، وعدم استقرار الحكم، هو الإختلاف حول شخصية القاضي الذي يحقق في انفجار مرفأ بيروت.
أما السبب الأعمق فهو الصراع الدولي والإقليمي حول من يحكم لبنان، في المرحلة المقبلة، من ستكون بين يديه الثروات الطبيعية الهائلة التي أُكتشفت في عمق البحر قبالة سواحل لبنان. ولهذا نجد أن هدف الصراع حالياً أن كل طرف من أطرافه يريد أن يحجم الآخر. فلمصلحة من يجري هذا؟
أطراف الصراع لبنانياً:
أحد أطراف الصراع هم الشيعة، من حزب الله وحركة أمل، يحالفهم (التيار الحر) برئاسة ميشيل عون.
أما الطرف الثاني فهو (حزب القوات اللبنانية) بقيادة سمير جعجع، الذي يطمح إلى تسيد المشهد ليصبح هو عنوان مسيحيي لبنان أمام الخارج … الذي يستقوي به الجميع.
لما اقتسمت فرنسا وبريطانيا أملاك الدول العثمانية، بموجب اتفاقية سايكس بيكو، وقع لبنان وسوريا تحت الاستعمار الفرنسي، ووقع العراق والأردن وفلسطين تحت الاستعمار البريطاني. وفرضت (عصبة الأمم) ما سُمي بـ (الانتداب) الذي استهدف تأسيس دول حديثة على النمط الغربي.
وفي عام 1920 أعلن الجنرال العسكري الفرنسي غورو تأسيس (دولة لبنان) وعاصمتها بيروت. ثم أعلن، عام 1926، قيام (الجمهورية اللبنانية). إلا أن مسلمي لبنان رفضوا الكيان اللبناني الجديد لأن الفرنسيين جعلوا منهم أقلية بعد أن كانوا هم الأكثرية الحاكمة، ولأنهم كانوا يتطلعون لقيام دولة عربية تضم بلاد الشام والعراق، ولأنهم رفضوا أصلاً الاحتلال الفرنسي كونه حكم دولة أوروبية غير مسلمة.
ظل لبنان في حالة عدم إستقرار سياسي إلى أن إندلعت فيه أول حرب أهلية قصيرة، عام 1958، تحالف فيها (الدروز مع المسلمين) من جهة، مقابل تحالف (الشيعة مع المسيحيين). وسبب الأزمة أن ساد لبنان احتقان سياسي عقب العدوان الثلاثي على مصر، إذ طالب المسلمون، يؤيدهم الدروز، بقطع العلاقات مع القوى المعتدية، فرنسا وبريطانيا، إلا أن رئيس الجمهورية آنذاك، كميل شمعون، رفض ذلك.
وإزداد التوتر لدى قيام الوحدة بين مصر وسوريا، إذ انتعشت آمال مسلمي لبنان لتحقيق آمالهم القديمة بالانضمام إلى الداخل السوري. إلا أن المسيحيين، يؤيدهم الشيعة، رفضوا الوحدة وأرادوا الإبقاء على التحالف مع الدول الغربية. فأشهر المسلمون سلاحهم، في ربيع وصيف عام 1958، واندلعت المواجهات في أرجاء لبنان.
فطلب الرئيس شمعون من الولايات المتحدة أن تتدخل عسكرياً. وأرسلت إدارة إيزنهاور 14 ألف جندي أمريكي، في أول تمرين عملي لتدخلها العسكري في الشرق الأوسط.
وقد ضغط الأمريكيون على الرئيس شمعون أن لا يترشح لفترة ثانية، وجاء مكانه قائد الجيش فؤاد شهاب. وسحب الأمريكيون قواتهم بعد 3 شهور من قدومها.
وهكذا انتهت أول حرب أهلية لبنانية بترضية المسلمين عن طريق إستبدال الرؤساء، دون تعريض الوجود المسيحي لأي تهديد، ودون إجراء أي تغيير على نظام الحكم.
لقد مهدت الحرب الأهلية المصغرة إلى إندلاع حرب أهلية اخرى كانت أوسع نطاقاً، وأشد فتكاً، كانت أطرافها هذه المرة المقاومة الفلسطينية، ومعها الحركة الوطنية اللبنانية، وفي مقدمتها الدروز بزعامة كمال جنبلاط. وعلى الجانب الآخر كان هناك المسيحيون ومعهم حركة أمل الشيعية بزعامة موسى الصدر.
أمريكا والحرب الأهلية
لقد أرادت أمريكا إشعال الحرب الأهلية لما تحولت المقاومة الفلسطينية إلى قوة سياسية في لبنان. ورغم تحالف المقاومة واليسار اللبناني إلا أن أهدافهما كانت مختلفة. فالزعيم الدرزي كمال جنبلاط كان يريد تغيير معادلة الحكم التي وضعها الفرنسيون عام 1943، وإعادة إنتاج لبنان على أُسس جديدة.
أما زعيم المقاومة الفلسطينية ياسر عرفات، فكان يتطلع إلى أن يحجز لنفسه مقعداً في أي مؤتمر سلام دولي للصلح مع إسرائيل، خاصة بعد خطبته الشهيرة في الأمم المتحدة.
وقد أُتخذ قرار حكومي لبناني بالاستعداد للحرب، بناء على طلب أمريكي، اعتباراً من ربيع عام 1973، أي قبل عامين من اندلاعها.
وجرى تسليح وتمويل جميع الأحزاب المسيحية من قبل أمريكا وحلفائها في المنطقة، بمن فيهم إسرائيل. كما تولت المخابرات العسكرية اللبنانية تسليح وتدريب حركة أمل.
كانت شرارة الحرب الأهلية اللبنانية عندما استهدفت القوى المسيحية حافلة تُقل 56 فلسطينياً، في عين الرمانة، قتلوا 27 منهم، وجرحوا 29.
وقعت هذه المجزرة في 13/4/1975، وكانت هي الشرارة التي أطلقت الحرب الأهلية في لبنان. ومعلوم أن تلك الحرب انتهت باتفاقية الطائف، بعد أن غادرت المقاومة الفلسطينية لبنان، عقب الاجتياح الإسرائيلي، عام 1982. لقد كانت مهمة القوى الاستعمارية على الدوام، اللعب على تناقضات المجتمعات.
وهذا ما فعلته بريطانيا وفرنسا في تعميق الشروخ الطائفية في لبنان، وضرب الطوائف بعضها ببعض، كي يسهل السيطرة عليها. وما زال الوضع على حاله إلى يومنا هذا.
وفي أغلب الظن أن المخاض الذي يجري في لبنان حالياً يهدف إلى تحجيم النفوذ الإيراني، ممثلاً بحزب الله.
اترك تعليقاً
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *