حكومة الهند وأصحاب الأخدود!
الاضطهاد الذي تمارسه الحكومة الهندوسية المتطرفة في الهند، برئاسة (مودي) بحق مسلمي الهند، وصلت إلى حالة غير مسبوقة من التطهير العرقي الممنهج، والأذى والإذلال والوحشية، خاصة بعد تعديل قانون الجنسية الذي إستهدف، بالدرجة الأولى، نزع حق المواطنة من 200 مليون مسلم.
حضارة إسلامية:
والإسلام، ثاني أكبر ديانة في الهند، ليس جديداً على تلك البلاد، فقد بدأ انتشاره، في السند والبنجاب، زمن الدولة الأموية على يد محمد بن القاسم الثقفي، سنة 712 ميلادية. ثم توالت جهود المسلمين في نشر الإسلام، في ربوع شبه القارة الهندية، حيث أقاموا دولة إسلامية، مزدهرة ومستقرة، وحضارة استمرت 850 عاماً، كانت عاصمتها (دلهي). وقد تعايش في ظلها، في أمن وأمان، المسلمون وغيرهم من أتباع الديانات الاخرى، إلى أن جاء الإحتلال البريطاني سنة 1858.
سياسة بريطانيا… فرق تسد:
وكعادة الدول الاستعمارية، لم تكتف بريطانيا بإزالة الحكم الإسلامي في الهند فقط، بل اتبعت (سياسة فرق تسد) وبثت روح التفرقة بين المسلمين وغيرهم، خاصة طائفة الهندوس، بعد أن كانوا جميعاً يتعايشون في ظل سيادة المسلمين. كما إفتعل الإنكليز، طوال 90 عاما من إحتلالهم للهند، فتناً طائفية بين الهندوس والمسلمين، ثم اتخذوا هذه الفتن ذريعة لتقسيم شبه القارة الهندية إلى دولتين، دولة للهندوس ودولة للمسلمين.
وعملوا، قبيل انسحابهم عام 1947، على نقل ملايين المسلمين إلى ما يُعرف اليوم بدولة باكستان، ونقل الهندوس إلى ما يُعرف اليوم بدولة الهند.
وقد أُرتكبت خلال ذلك أبشع المذابح والمجازر بحق المسلمين. وبهذا يكون الإنكليز قد دقوا إسفيناً طائفياً في الهند، وأسسوا لعداوة دائمة بين المسلمين والهندوس ما زالت مستمرة، تظهر وتختفي، بين حين وآخر، حسب درجة التطرف الهندوسي لدى الحكومة القائمة.
حكومة «مودي» المتطرفة:
وقد تولى مقاليد السلطة في الهند عام 2014 (حزب الشعب الهندي) الهندوسي المتطرف، بزعامة (ناريندرا مودي) الذي كان مسؤولاً عن (مذابح جوجارات) بحق المسلمين في عقد التسعينيات.
ويعمل حزبه على تخريب الحياة الدينية والاقتصادية والسياسية للمسلمين وتهميشهم.
وقد بلغ به التطرف حداً أن طلب من البرلمان الهندي، نهاية 2019، تعديل قانون الجنسية كي يصبح أداة تمييز عنصري ضد المواطنين المسلمين، ويعتبرهم (دخلاء)، ويطالب بسحب الجنسية منهم.
وحرم تطبيق هذا القانون العنصري المسلمين من الخدمات الحكومية، مثل الصحة والتعليم والوظائف، ومن الاقتراض من البنوك، ومن الحصول على جواز سفر، ورخصة قيادة، وبطاقات الأغذية المدعومة، والمعاشات، حتى يصبحوا مع مرور الوقت يعيشون على هامش الحياة.
كما أقامت حكومة مودي عشرات معسكرات الإعتقال المؤقتة أودعت فيها المسلمين، ريثما يتم طردهم من البلاد.
وتقول التقارير إن أوضاعهم سيئة للغاية، ومات منهم العشرات بسبب الإهمال وسوء التغذية. وتشبه معسكرات الهند مثيلاتها من (المعسكرات النازية) التي أقامها نازيو المانيا، في الحرب العالمية الثانية.
ويصر (حزب الشعب الهندي) الحاكم على المضي قُدماً في سياسته، غير الإنسانية، ضد المسلمين حتى تنتهي فترة حكمه سنة 2024، مستنداً في ذلك إلى نظرية أن (الهند للهندوس فقط) وليس لغيرهم.
صمت إسلامي عربي:
وبينما نرى تنديداً لما تقوم به الهند ضد المسلمين، من الأمم المتحدة، ومنظمات حقوق الإنسان، ومن بعض الدول، إلا أن هناك صمتا مطبقا من قبل الدول الإسلامية والعربية.
ويُلاحظ أن سياسة الهند تسير على خطى سياسة محاكم التفتيش في إسبانيا، حيث تم القضاء على الوجود الإسلامي في الأندلس، وعلى خطى سياسة بورما التي تحاول القضاء على مسلمي الروهينغا، وسياسة الصين التي تحاول القضاء على مسلمي (الإيغور)، في إقليم (تركستان الشرقية)، وأيضاً سياسة المحتلين الصهاينة في فلسطين الذين يحاولون منذ 100 عام القضاء على أهل البلاد.
وفي ظل هذا الصمت المريب، إزاء إضطهاد وذبح وحرق مسلمي الهند، نجد أن هناك أوراق ضغط كثيرة يمكن التلويح بها في وجه حكومة (مودي)، أبرزها الورقة الاقتصادية. فورقة العمالة لوحدها، مثلاً، تكفي لأن تجعل حكومة الهند تفكر مرتين قبل أن تواصل إضطهاد المسلمين. إذ أن هناك 8.5 مليون عامل هندي يشكل حجم حوالاتهم 55 في المئة من التحويلات المالية إلى الهند.
يُضاف إلى ذلك أن ثلث واردات الهند من النفط تأتي من المنطقة العربية، ناهيك عن تصدير البضائع الهندية إلى منطقتنا، والاستثمارات العربية الكبيرة في الاقتصاد الهندي. لكن بدلاً من الضغط، نجد بعض الدول تقيم علاقات تعاون وطيدة مع حكومة (مودي) المتطرفة، بل وتلتقي معها في محاربة ما يسمى بـ (الإسلام السياسي).
قصة ما تقوم به الحكومة الهندية ضد مواطنيها من المسلمين، هي أقرب ما تكون إلى قصة أصحاب الأخدود في القرآن الكريم، والملك الطاغية الذي غضب عندما آمن شعبه بالله، فأراد أن ينتقم منهم. فحفر حفرة كبيرة، غائرة في الأرض، تُسمى أخدودا، وأشعل داخلها النيران، وأحضر كل من آمن، فرداً فرداً، وخيّرهم بين أن يتراجعوا عن إيمانهم أو أن يتم رميهم في النار. فإختاروا الموت حرقاً على أن يعودوا إلى دين الملك.
وها هي قصة أصحاب الأخدود تتكرر في هذا الزمان، في الهند وغيرها، حيث يتعرض المسلمون للذبح والقتل والحرق، دون ذنب اقترفوه إلا أنهم آمنوا بالله. فهل سيجدون من ينتصر لهم؟ اللهم لا ملجأ منك إلا إليك.
اترك تعليقاً
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *